المحل والسبب في ق.ل.ع.م عمر مومن
الفرع الاول: المحل
تعريف المحل:يجب التمييز بين محل الالتزام ومحل العقد
فمحل العقد هو إنشاء التزام أو أكثر على أحد المتعاقدين وهو الأثر القانوني الذي ينتج عن العقد وهو إما إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه.
أما محل الالتزام فهو الأداء الذي يتعهد به ويلتزم المدين لمصلحة الدائن والذي يكون إما إعطاء شيء أي نقل حق عيني أو حق الملكية وإما من قبيل القيام بعمل بما فيها تسليم الشيء دون نقل ملكيته وإما من قبل الامتناع عن القيام بعمل
شروط المحل:
طبقا للفصول 57 إلى 61 من ق.ل.ع.م فإن شروط المحل:1- أن يكون المحل موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل.
2- أن يكون المحل مشروعا.
3- أن يكون ممكنا.
4- أن يكون معينا أو قابلا للتعيين.
المطلب الأول: أن يكون المحل موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل
المبدأ أنه لابد لقيام التزام تعاقدي صحيح من وجود محل له فلا يمكن التعاقد عن شيء غير موجود كأن يكون الشيء أو الحق المتعاقد عليه هلك أو انقضى قبل التعاقد وكإيجار بناء هدم قبل الإيجار بفعل حريق، أو بيع سفينة غرقت في البحر أو حوالة دين سدد قبل الحوالة، فالالتزام في هذه الحالات يقع باطلا لكون محله غير موجود ومن ثم يؤدي إلى بطلان العقد.
لكن هل يجوز التعامل بالأشياء المستقبلية؟
يجب التمييز بين الحالة التي ينتفي فيها وجود محل للالتزام التعاقدي انتفاء كليا والحالة التي يكون فيها المحل غير موجود حاضرا وسيوجد في المستقبل، فليس هناك ما يمنع أن يكون المحل غير موجود أثناء التعاقد مادام أنه الممكن الوجود مستقبلا تنص المادة 61 من ق.ل.ع.م على ما يلي: "يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون".
وهذا النوع من التعامل في الأشياء المستقبلية، تطور وأصبح يتسع مجاله وبدأ في الميدان الفلاحي ببيع محصول زراعي سواء كان زرعا أو ثمارا لم تنعقد بعد، أو بيع العقار على التصميم أو بيع سيارة قبل صنعها أو بضاعة قيد الصنع.
لكن ما هي الاستثناءات التي لا يجوز فيها التعامل في الأشياء المستقبلية؟
القاعدة أن المنع من التعامل يكون بنص صريح لكون الأصل هو الإباحة، ومن الأمثلة على المنع والتحريم منع التعامل في أموال التركة المستقبلية، تنص الفقرة 2 من المادة 61 من ق.ل.ع.م على ما يلي: "لا يجوز التنازل عن تركة إنسان على قيد الحياة ولا إجراء أي تعامل فيها أو في شيء مما يشتمل عليه ولو حصل برضاه وكل تصرف مما سبق يقع باطلا بطلانا مطلقا".
المطلب الثاني: أن يكون المحل مشروعا
ونعني بمشروعية المحل اي أن يكون محل الالتزام مما يجوز التعامل فيه وأن لا يكون مخالفا للنظام العام والآداب العامة، فكل ما يصح التعامل به إما بطبيعته أو بحكم القانون لا يصح أن يكون محلا للالتزام كالهواء وأشعة الشمس، البحر، المخدرات، الملك العمومي، وكل تصرف يكون محله شيئا منها كان باطلا وهكذا تنص المادة 57 من ق.ل.ع.م: "الأشياء والأفعال والحقوق المعنوية الواقعة في دائرة التعامل يصح وحدها لأن تكون محلا للالتزام".
فالجرائم كالقتل والجرح والتهديد والترامي على ملك الغير أفعال مخالفة للقانون ولا يمكن أن تكون محلا للالتزام.
كما أن الحريات العامة الأساسية وحق التمتع بالأهلية كلها حقوق لا يمكن أن تكون في دائرة التعامل فلا يمكن التنازل عن حق الحياة أو التعبير وحق التمتع بالأهلية.
وبالنظام العام الذي هو كل ما يمس كيان الدولة ويتعلق بمصالحها الأساسية العليا وحسن الآداب الذي هو القدر اللازم احترامه من قواعد الأخلاق للمحافظة على كيان الدولة الخلقي ومراعاة للشعور العام للأفراد.
والنظام العام مفهوم نسبي يختلف من مجتمع لآخر ومن دولة لأخرى ومن زمان لآخر.
المطلب الثالث: أن يكون المحل ممكنا
تنص المادة 59 من ق.ل.ع على ما يلي: "يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا مستحيلا إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون".
فالالتزام المستحيل لا يمكن أن يكون محلا للالتزام لأنها مستحيلة التنفيذ ولا يمكن تصور تنفيذ التزام مستحيل ويجب أن تكون الاستحالة مطلقة أي التي تفوق طاقة الجميع سواء كان الملتزم أو غيره وتكون الاستحالة إما طبيعية أو بحكم القانون.
استحالة طبيعية: هي استحالة تعود لطبيعة الالتزام كالتزام شخص ببعث الروح في ميت أو إزالة الجبال أو تحويل معدن النحاس لذهب.
استحالة قانونية: هي التي ترجع لحكم القانون لوجود مانع قانوني يحول دون إبرام العقد كبيع أراضي عمومية مملوكة للدولة كالشواطئ والحدائق والساحات العمومية والاستحالة المطلقة تؤدي إلى بطلان العقد أما النسبية فهي لا تبطل العقد وإنما تعطي الحق في التعويض بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه.
المطلب الرابع: أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين
تنص المادة 58 من ق.ل.ع.م على ما يلي: "الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا على الأقل بالنسبة إلى نوعه، ويسوغ أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابلا للتحديد فيما بعد.
وانطلاقا من المادة 58 فإن محل الالتزام يشترط فيه أن يكون معينا أو على الأقل قابلا للتعيين.
وقد يكون محل الالتزام القيام بعمل أو تقديم خدمة فإنه يجب تعيين طبيعة هذا العمل أو هذه الخدمة وقد يكون التزاما بنقل حق عيني أو شخصي.
فإذا كان قياما بعمل أو تقديم خدمة فيجب تحديد نوع العمل أو الخدمة وبيان مواصفاته بدقة وبوضوح فإذا كان بناء عمارة فيجب تحديد مساحة البناء ومشتملاته وفق تصميم واضح وعدد الطوابق والجدران وشكلها وعمق الأساسات، وإذا كان عقارا محفظا تعيينه برقم رسمه العقاري وإذا كان غير محفظ تعيينه ببيان حدوده ومساحته.
أما إذا كان محل الالتزام نقل شيء مادي فإنه يجب التمييز بين نوعين من الأشياء وتحديد ما إذا كانت قيمة أو مثلية.
بالنسبة للأشياء القيمية التي ليس لها مقابل في السوق كبيع قطعة أرضية أو فرس فيلزم أن يكون محددا تحديدا نافيا للجهالة بذكر مواصفاته وميزاته التي تميزه عن باقي الأشياء.
بالنسبة للأشياء المثلية: اي التي لها مقابل في السوق نوعا ومواصفات فيجب على الأقل تحديد نوعها كبيع 200 متر من جلد البقر وفي حالة تحديد الشيء المبيع دون تحديد درجة جودته فإنه يحتكم لمقتضيات المادة 244 من ق.ل.ع.م الذي ينص على ما يلي: "إذا لم يعين الشيء إلا بنوعه لم يكن المدين ملزما بأن يعطيه ذلك الشيء من أحسن نوع كما لا يمكن أن يعطي من أردئه". وهذا يعني أنه يسلم الكمية من النوع المتوسط.
الفرع الثاني: السبب
تعريف السبب:السبب هو ركن من أركان الالتزام وسبب الالتزام هو الغاية والقصد الذي كان وراء إقدام المتعاقد على التعاقد، وبتعبير آخر هو السبب المباشر المجرد الذي يقصد المتعاقد الوصول إليه من وراء التزامه، ففي عقد البيع البائع يلتزم بنقل الملكية وغرضه وقصده من البيع هو الحصول على الثمن والمشتري يلتزم بأداء الثمن وغرضه هو الحصول على ملكية المبيع.
اشترط المشرع المغربي لقيام السبب كركن أن يكون السبب موجودا ومشروعا وحقيقيا.
شروط السبب:
الشرط الأول: أن يكون السبب موجوداالشرط الثاني: أن يكون السبب مشروعا
الشرط الثالث: أن يكون السبب حقيقيا
الشرط الأول: أن يكون السبب موجودا
نصت المادة 62 من ق.ل.ع.م على ما يلي: "الالتزام الذي لا سبب له يعد كأن لم يكن" فالالتزام لابد أن يكون له سبب وإلا كان مجردا من أي أثر، وواقعيا يصعب تصور فرضية إن الالتزام لم يحمل على سبب معين لكن هناك حالات ناذرة لذلك، كما إذا تعهد وارث للموصى له بتنفيذ وصية ثم يتبين بعد ذلك أن الموصي رجع عن وصيته، كذلك الاتفاق على تجديد عقد ثم يتبين أن العقد القديم كان قد انقضى قبل التجديد.
وفي هذا الإطار نصت المادة 63 من ق.م.ع.م على ما يلي: "يفترض في كل التزام إن له سببا حقيقيا ومشروعا ولو لم يذكر".
فالالتزام قد يذكر له سبب لكن هذا السبب غير موجود، فإن هذا الالتزام يعتبر باطلا وكأن لم يكن، أما إذا لم يذكر له سبب فهناك قرينة على أن الالتزام غير المسبب يقوم على سبب حقيقي ومشروع لكن هذه القرينة تقبل إثبات العكس، وعلى الملتزم الذي يدعي عدم وجود السبب أو عدم مشروعيته إثبات ذلك.
وتبنى القضاء المغربي هذا التوجه واعتبر أن الالتزام الذي لم يذكر له سبب في السند يفترض أن له سببا مشروعا وإن نازع المدين في ذلك يقع عليه عبئ الإثبات.
الشرط الثاني: أن يكون السبب مشروعا
نصت المادة 62 من ق.ل.ع.م على ما يلي: "الالتزام المبني على سبب غير مشروع يعتبر كأن لم يكن"، "ويكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون".
كإبرام عقد كراء منزل لاستعماله كدار للدعارة والبغاء أو كراء محل لاستعماله في تجارة المخدرات، تنص المادة 1092 من ق.ل.ع.م "كل التزام سببه دين المقامرة أو المراهنة يكون باطلا بقوة القانون".
كأن يلتزم شخص بدفع دين نشأ عن مقامرة أو رهان أو الالتزام بأداء فائدة في عقد بين مسلمين (المادة 870 من ق.ل.ع.م.).
الشرط الثالث: أن يكون السبب حقيقيا
يقصد بشرط أن يكون السبب حقيقيا أن لا يكون وهميا أو كاذبا.
ويتحقق ذلك عند إبرام عقد صوري وإخفاء سبب الالتزام الحقيقي وهو عادة غير مشروع وراء سبب ظاهر مشروع لا يمت إلى الحقيقة بصلة.
كإبرام عقد يتضمن أن الدين سبب عقد قرض سابق في حين أن سبب الدين الحقيقي هو اللعب والمقامرة.
ويعتد بالسبب الظاهر ما لم يثبت العكس، وهذا ما نصت عليه المادة 64 من ق.ل.ع.م: "يفترض أن السبب المذكور هو السبب الحقيقي حتى يثبت العكس"، ويقع عبئ حقيقي (م 65 من ق.ل.ع.م).
وفقنا الله وإياكم